Saturday, March 14, 2009

عن الوطن

كان الوقت متأخراً، وكان أسفلت الشارع الخالي يلتمع تحت الضوء الأصفر لمصابيح وسط المدينة، وبعد مرور عربة الرش. تمر سيارة مسرعة من وقت لآخر. في جزيرة العشب التي تتوسط الميدان وتحت التمثال جلسا: غريبان تجللهما رائحة العشب المندي؛ "رائحة طفولتها" كما تسميها. قبضت براحتها اليمنى على قليل من العشب وأغمضت عينيها. تلامست يدها ويده عفواً فنظرا إلى بعضهما البعض ولم يقولا شيئاً. تنهدت ثم قالت له: "أبكي كل ليلة حتى أنام. لا أعرف لماذا أبكي أو علام، ولكنني أبكي وأبكي وأبكي حتى تبتل الوسادة. أبكي كل ليلة حتى أنام." نظر إليها طويلاً، ثم التفت أمامه قائلاً لها: "استيقظ فَزِعاً كل ليلة. أشعر بيد تعتصر عنقي فأصحو لاهثاً وأنا أتصبب عرقاً. تمر دقائق قبل أن أستطيع معاودة النوم، وحتى عندما أفعل.. أكون خائفاً.." اقتربت منه حتى تلاصق كتفاهما، ثم اسندت رأسها على كتفه. ابتسم ابتسامة صغيرة ولم يقل شيئاً، ولكنه بدأ في دندنة تلك الأغنية التي ظن أن أحداً غيره لا يعرفها.. فاجئته بمشاركتها في دندنة نفس اللحن. بدأ في الغناء بصوت مرتعش: "يا أنا.. يا أنا"، فأكملت له: "يا سكر بالهنا"، وهي ظنت أن صوته أجش ولكن جميل.. استكملا الأغنية ثم نهض آخذاً بيدها ليسيرا معاً في شوارع وسط المدينة التي تبدو في هذا الوقت كمشهد من أحد أفلام الخمسينات؛ هو يحاوط جسدها النحيل بذراعه، وهي تدفئ يدها في جيب معطفه. كانت تفكر في أنها لن تبكي الليلة، وكان هو يفكر في أنه لن يخاف الليلة. مشيا يستندان إلى بعضهما البعض، وفي المدى كان صوتهما يغني: ا
ده منايا.. يا هنايا
أسكن في الوطن
هاتجيني.. تلاقيني
ساكن في الوطن

3 comments:

ماشى الطريق said...

:)
فيلم أبيض و أسود و الخلفية أغنية لمنير

روز said...

"حبيني تلاقيني ساكن في الوطن"
..
شميت الرائحة وسمعت الأغنية وحسيت بالدفا:)
تحياتي..

كلام وخلاص said...

للدفا اشكال كتير حكيتى عن احسنهم
وطن و طفولة وحد يسمه وجيب دافى
بس ياترى الجيب كان فيه فلوس
اعتقد بلاش عشان البرود ما يعرفش طريقه للحدوتة