Sunday, June 19, 2011

أطياف وهلاوس نونية

أستيقظ على صوت مذياع قديم آتٍ من بعيد: الشيخ الحُصري يتلو سورة الرحمن. تهتز الستارة على نافذتي بفعل نسمة صباحية باردة تبدو وقد ضلت طريقها من ربيع ولى. ا

أقف في النافذة للحظات مصغية إلى صوت المذياع الذي حملته النسمة الصباحية إلى غرفتي: الرحمن، القرآن، الإنسان، البيان: نون الاطمئنان. ينطلق فجأة صوت المنبه الذي استيقظت قبل وخز صيحاته. أتجه إليه لأغلقه ثم أشرع في طقوس بدء اليوم. بدون سبب واضح يبدأ عقلي في ترديد "يا حلو شو بخاف إني ضيعك"، فيختلط الصوت بداخلي بذلك القادم من المذياع في تمازج غريب. أدير الأغنية الموجودة على حاسبي بينما أرتدي ملابسي أمام المرآة، فتبدأ بموسيقاها المنذِرة. ا

أنظر للمرآة بينما تحكي فيروز: "نمرق على الجسر العتيق، وتروح مني بهالطريق، لوين ما تقلي ولا تاخدني معك"، أرى انعكاس صورتي في المرآة بآثار كحل الليلة الماضية التي لم تنجح مياه المساء أو الصباح في إزالتها. أبدو كمن كانت تبكي بكاء مُرًا أمس. أزيل الكحل من بين عيني وتحتهما بينما تكمل فيروز: "يا حلو شو بخاف إني إسألك، كنو بعد بتحبني؟ قد البحر قد الدني؟ بفزع لتضجر من سؤالي وزعلك". صوت فيروز آتٍ من حلم قديم.. حلم بعيد. أكمل ارتداء ملابسي وألملم حاجياتي في الحقيبة وأغلق الباب ورائي.ا

أفتح باب السيارة وأدير المفتاح، ثم ألتفت فأجدك جانبي صامتًا كعادتك كلما أتيتني مؤخرًا. أصمت وأدير مؤشر الراديو الذي لا يلتقط شيئًا سوى ذبذبات مشوشة ومتقطعة، ثم يستقر بين محطتين، فإذا بسورة الرحمن تنبعث من الراديو مختلطة بصوت فيروز التي تخاف ضياع الحلو، ولكن المؤشر يأبى أن يستقر على أي المحطتين، فأغلقه مبتسمة ومتعجبة من الصدفة التي تتمتع بنفس احتمالية حدوث النسمة الهاربة من الربيع في عز الصيف. تبتسم لي أنت أيضًا وأنت تعلم ما يدور برأسي. أنطلق في طريقي الذي لا يستغرق أكثر من عشر دقائق. تموج رأسي بآيات السورة الأثيرة المخالطة لصوت فيروز الخائفة، وأفكر في أن حرف النون من ألطف الحروف حقًا. تقرأ ما يدور بفكري فتخبرني:ا

ا - "مش شرط على فكرة." ا

لا أتعجب، فقد اعتدت قدراتك الخارقة المكتسبة حديثًا، ثم يبدأ السجال المحبب: ا

ا - "لأ شرط: رحمن، حنان، اطمئنان" ا

ا - "فجعان، غلبان، هربان" ا

ا - "شبعان، فرحان، سرحان"ا

ا - "جعان، زعلان، حيران" ا

ا - "جِنان!" ا

ا - "جِنان" ا

أبتسم حال وصولنا إلى كلمة مشتركة. أخبرك: ا

ا - "بس الجنان مش حاجة وحشة على فكرة." ا

ا - "عمري ما بعرف أغلبِك في اللعبة دي" ا

أبتسم وأنا أطفئ محرك السيارة حال وصولي، ألتفت إليك فأجد ابتسامتك المُحبة ملئ وجهك، والشموس الصغيرة حول عينيك مشرقة من خلف نظارتك الطبية، تظللها بعض شعيراتك البيضاء المطلة من وسط سواد شعرك. أدرك أنني سوف أفتقدك حد الوجع بمجرد نزولي من السيارة، ولكن أعلم ألا خيار أمامي، فأخبرك: "خدني على قلبك معك". تحتضنني شموس عينيك الصغيرتين مهونة عليّ. أترجل من السيارة ، وأغلق بابي بالمفتاح، أتمتم لنفسي بباقي المقطع "دخلك بخاف إني ضيعك" بينما ألقي نظرة أخيرة من خلف الزجاج على السيارة الخاوية. ا