Saturday, March 28, 2009

؟

ما بين خَوفِنا مِمّا هو آتٍ لا مَحالة، وتَمَسُكِنا بأهداب اللَحْظة المُنفَلِتَة -أيضاً لا مَحالة- قُل لي يا عَزيزي: كَيف نَسينا أن نَعيش؟

Friday, March 27, 2009

بيان حالة


صورة سطح المكتب لأمل كعوش - مدونة على أي حال*

Friday, March 20, 2009

ا - والله الموضوع ده ظريف قوي، أنا عمري ما جربته! ا

أنا نسيت باريس قد إيه جميلة.. ا
ا - السياحة مش حاجة وحشة برضه
ا - شكراً إنك ركبتني المركب
ا - يا ستي العفو
عارفة، بيتهيألي الكتاب اللي كتبته ده كان زي ما أكون بأبني حاجة، عشان مانساش تفاصيل الوقت اللي قضيناه سوا.. يعني، عارفة، حاجة كده تفكرني إن إحنا حقيقي اتقابلنا بجد،وإن ده كان حقيقي بجد، إنه حصل فعلاً، فاهماني؟
ا - فاهماك جداً.. يعني.. أنا دايماً باحس إني مش طبيعية عشان عمري ما باعرف أكمل حياتي.. كدهوه! عارف؟ يعني، الناس بيصاحبوا بعض، وساعات يرتبطوا بجد كمان.. بعدين يسيبوا بعض..وينسوا. عادي يعني بيكملوا حياتهم تاني كإنهم مثلاً غيروا نوع النسكافيه اللي بيشربوه الصبح! ا
أنا باحس إني عمري ما بأقدرأنسى أي حد كنت معاه.. عشان عارف، كل بني آدم ليه الصفات المعينة بتاعته
عمرك ما تقدر تجيب حد مكان حد، اللي بيروح.. بيروح خلاص
كل علاقة أما بتنتهي بتبوظني بجد.. وعمري ما باخف تماماً، وعشان كده أنا بآخد بالي قوي قبل ما أتورط مع أي حد، عشان الموضوع بيوجع قوي! ا
أنا حتي مش باسمح للمواضيع تتطور أكتر من كده.. يعني.. هتوحشني في الواحد ده أهيف الحاجات الممكن تصورها
زي ما أكون عندي هوس بالحاجات الصغيرة. ا
يمكن أنا مجنونة، بس.. لما كنت صغيرة، ماما قالتلي إني دايماً باتأخر ع المدرسة. مرة مشيت ورايا عشان تعرف ليه.. لقيتني باسرح في "أبو فروة" وهو بيقع من ع الشجر.. بعدين يتدحرج على الرصيف، أو.. باتفرج على صف نمل بيعدي الشارع.. ولا ضلِّة ورق الشجرة على جذعها.. حاجات صغيرة.. ا
بيتهيألي إن الموضوع هو هوَّاه مع الناس.. ا
باشوف فيهم تفاصيل صغيرة، بتميز كل واحد عن التاني، التفاصيل دي بتأثر فيا.. وبتوحشني، وهاتفضل واحشاني على طول
عمرك ما تقدر تستبدل حد، عشان كل واحد فينا بيتكون من تفاصيل جميلة ومحددة كده.. ا
زي كده مانا فاكرة.. دقنك كان فيها شعرات محمرة شوية، أنا فاكرة كويس إزاي كانت الشعرات دي بتلمع في الشمس، يوميها الصبح، قبل ما تمشي على طول.. ا
أنا فاكرة ده، ووحشني! ا
أنا مجنونة بجد، مش كده؟
ا - أوكيه، دلوقتي أنا اتأكدت
عايزة تعرفي أنا ليه كتبت الكتاب الغبي ده؟
ا - ليه؟
عشان تيجي التوقيع بتاعه في باريس، وأقرب منك وأقولك: ا
"أنتِ كنتي في أنهي داهية؟"
ا - لأ.. بجد.. تفتكر إني فعلاً كان ممكن أبقى موجودة هنا معاك النهارده؟
ا - أنا باتكلم بجد على فكرة، بيتهيألي إني بطريقة ما كتبته عشان أحاول ألاقيكي
ا - أوكيه.. ممم.... يعني أنا عارفة إن ده مش حقيقي، بس حلوة منك عامة
ا - لأ بيتهيألي إنها حاجة حقيقية فعلاً
تفتكري كانت إيه احتمالات إن إحنا نتقابل تاني؟
ا - بعد ديسمبر إياه، يتهيألي صفر. ا
بس إحنا أصلاً مش بجد، صح؟ إحنا.. شخصيتين في حلم ست عجوزة، هي على "فراش الموت" وعمالة تفتكر شبابها وتتخيل كل اللي كان ممكن يكون.. فيعني أكيد كان لازم نتقابل تاني! ا
ا - يا الله! أنتِ ليه ماكنتيش في فيينا؟
ا - مانا قلتلك ليه.. ا
ا - أيوة أنا عارف.. بس.. كان نفسي قوي تبقي هناك! حياتنا كان ممكن تتغير تماماً! ا
ا - تفتكر؟
ا - بصراحة آه
ا - ويمكن لأة، يمكن كنا هانكره بعض في الآخر
ا - آه صح.. ده زي ما بنكره بعض دلوقتي كده؟
ا - مش قصدي، بس يمكن إحنا بنبقى لطاف بس في المقابلات القُصيرة، ولا التمشية في أوربا لما الجو يكون دافي! ا
ا - يا ربنا!! إحنا ليه ماخدناش نمر تليفونات بعض والحاجات دي؟ ليه؟
ا - ممم.. عشان إحنا كنا صغيرين وهُبل؟
ا - تفتكري إحنا لسة كده؟
ا- بيتهيألي إنك لما بتبقى صغير، بتبقى مصدق قوي إنه هيبقى فيه ناس كتير هتلاقي معاهم "الكونكشن" دي، بس أما بتكبر شوية بتكتشف إن الحاجات دي بتحصل قليل جداً
ا - أيوة وممكن الواحد يبوظ الدنيا، يعني، يضيع الكونكشن دي
ا - بص، اللي فات فات خلاص، واللي حصل في الماضي كان متقدر له يبقى كده.ا
ا - أنتِ فعلاً بتعتقدي في ده؟ يعني إن كل حاجة متقدرة؟
ا - يعني، ممكن نكون بنبالغ في تقدير نسبة الحرية اللي الدنيا ماشية بيها
ا - تفتكري؟
ا - آه.. كل ما نفس الظروف تتكرر، نفس الحاجة هتحصل كل مرة. إتنين هايدروجين زائد واحد أكسجين، هايدوك مية في كل مرة. ا
ا - لا لا لأ.. أنا قصدي، تخيلي لو جدتك كانت عاشت أسبوع زيادة، أو ماتت بدري أسبوع، أو بدري كام يوم حتى، عارفة، كان ممكن حاجات كتير تتغير، أنا مقتنع بده! ا
ا - لأ لأ، ماينفعش تفكر كده على فكرة
ا - أنا قصدي.. يعني أوكيه، أنا عارف أنه مش المفروض أفكر في معظم الحاجات بالطريقة دي، بس هو بس في موضوعنا ده، كإن كان فيه حاجة غريبة كده! مش عارف! يعني.. ا

في الكام شهر اللي قبل فرحي، كنت بافكر فيكي طول الوقت. يعني حتى وأنا رايح الفرح، وأنا في العربية، كان فيه واحد صاحبي بيوصلني، وأنا مبحلق في إزاز العربية، وفجأة بيتهيألي إني شفتك! في حتة قريبة من الكنيسة اللي كان فيها الفرح.. أوكيه؟ كنتي بتقفلي شمسيتك وبعدين دخلتي محل على الناصية اللي بين شارع 13 وبرودواي، وبعدين أنا قلت إني أكيد اتجننت، بس عارفة؟ دلوقتي أنا أعتقد إن ده كان إنتِ فعلاً
ا - أنا بيتي كان على ناصية شارع 11 وبرودواي
ا -شفتي بقى؟

---

Before Sunset ترجمة بتصرف لمشهد من فيلم

Thursday, March 19, 2009

"عَذابات البَشَر أصْلاً لا تُحتَمَل"
ا
Virus C - محمود عزت

Saturday, March 14, 2009

عن الوطن

كان الوقت متأخراً، وكان أسفلت الشارع الخالي يلتمع تحت الضوء الأصفر لمصابيح وسط المدينة، وبعد مرور عربة الرش. تمر سيارة مسرعة من وقت لآخر. في جزيرة العشب التي تتوسط الميدان وتحت التمثال جلسا: غريبان تجللهما رائحة العشب المندي؛ "رائحة طفولتها" كما تسميها. قبضت براحتها اليمنى على قليل من العشب وأغمضت عينيها. تلامست يدها ويده عفواً فنظرا إلى بعضهما البعض ولم يقولا شيئاً. تنهدت ثم قالت له: "أبكي كل ليلة حتى أنام. لا أعرف لماذا أبكي أو علام، ولكنني أبكي وأبكي وأبكي حتى تبتل الوسادة. أبكي كل ليلة حتى أنام." نظر إليها طويلاً، ثم التفت أمامه قائلاً لها: "استيقظ فَزِعاً كل ليلة. أشعر بيد تعتصر عنقي فأصحو لاهثاً وأنا أتصبب عرقاً. تمر دقائق قبل أن أستطيع معاودة النوم، وحتى عندما أفعل.. أكون خائفاً.." اقتربت منه حتى تلاصق كتفاهما، ثم اسندت رأسها على كتفه. ابتسم ابتسامة صغيرة ولم يقل شيئاً، ولكنه بدأ في دندنة تلك الأغنية التي ظن أن أحداً غيره لا يعرفها.. فاجئته بمشاركتها في دندنة نفس اللحن. بدأ في الغناء بصوت مرتعش: "يا أنا.. يا أنا"، فأكملت له: "يا سكر بالهنا"، وهي ظنت أن صوته أجش ولكن جميل.. استكملا الأغنية ثم نهض آخذاً بيدها ليسيرا معاً في شوارع وسط المدينة التي تبدو في هذا الوقت كمشهد من أحد أفلام الخمسينات؛ هو يحاوط جسدها النحيل بذراعه، وهي تدفئ يدها في جيب معطفه. كانت تفكر في أنها لن تبكي الليلة، وكان هو يفكر في أنه لن يخاف الليلة. مشيا يستندان إلى بعضهما البعض، وفي المدى كان صوتهما يغني: ا
ده منايا.. يا هنايا
أسكن في الوطن
هاتجيني.. تلاقيني
ساكن في الوطن

Friday, March 06, 2009

"حمادة"

أجلس على كرسي الفوتيه مرخية رأسي على المسند. يئن جسدي من تعب ثلاثة أيام لم أنم فيهم أكثر من ساعتين متصلتين. وما بين الجنازة والعزاء وحتمية النزول للكلية ثم الرجوع إلى بيت عمتي والعودة إلى منزلنا ليلاً- كل ذلك على خلفية صيام رمضان؛ يقارب جسدي على التهاوي، ولكن النوم يعاندني بالرغم من كل شيء. أغمض عيني قليلاً، فقط لأفتحهما على تربيتة عمتي على كتفي: "قومي نامي يا نوران"، ابتسم ابتسامة مرهقة مخبرة إياها أنه لا توجد مشكلة. تأخذني من يدي: "تعالي نامي في سريره". يبدو الضمير في كلمة "سريره" مبهماً بالنسبة لي حتى تفتح باب الغرفة ثم النور، فتتأكد شكوكي: سريره هو سريره إذن. تغلق الباب ورائها فأنظر للغرفة نظرة شاملة قبل أن أهم بخلع الإيشارب. على الحائط ملصقات للاعبي الزمالك الذي كان هو مشجعهم الوحيد في العائلة، كان أبي دائماً ما يداعبه قائلاً له أنه "زرع شيطاني"، ولم يسلم من مناكفات شباب العائلة عند أية هزيمة تلحق بفريقه المفضل. البذلة العسكرية ذات النجمتين معلقة على مقبض الدولاب في إنتظار من لن يأتي، وتحتها صورة له مرتدياً إياها مع الكاب العسكري. من ترتيب الغرفة والملاءة المشدودة، أفهم أنني أول من تنام بعده في السرير -وأتغطى بغطاك يا محمد، وأنام على مخدتك يا محمد- أشم رائحته في الأغطية، فأتكور على نفسي تحت اللحاف وأغمض عيني على دمعتين كادتا أن تفرا. ا

يستعصى النوم في البداية ولكني أظل على إغماض عيني. أشعر ببرودة يديّ وقدميّ، فأزيد من تكوري على نفسي في الوضع الجنيني الذي أتخذه. يصل أبي وأمي وتسأل أمي عني، فتخبرها عمتي أنني نائمة قليلاً. يصلني صوت أمي عبر الباب المغلق فأتذكر ما قالته لي قبل أن أغادر المنزل صباحاً. كنت قد لاحظت في أثناء ارتداء ملابسي بعض البقع المزرقة في يديّ ورجليّ، كأنني قد اصطدمت بشيء فأزرق مكانه؛ فقط أنا لم أفعل. أريها لأمي بدهشة فتصمت للحظة ثم تجيبني: "من الزعل.. ساعات بيحصل كده". أفكر في أن "الزعل خبطني جامد قوي المرة دي". يبدأ النوم في التسلل إلى عينيّ المغلقتين أصلاً، فتتباعد الأصوات القادمة من الصالة شيئاً فشيء. ا

في مثل تلك الحالات لا أستغرق أبداً في النوم، بل يكون ما أمر به هو مزيجاً من الصحو والمنام، أو منام على خلفية الصحو؛ فأنا إلى حد ما أظل على شيء من وعيي بما يحدث حولي، ولكنني في الوقت ذاته أدخل قليلاً قليلاً إلى عالم النوم. لا يكون نوماً عميقاً ولا مريحاً ولا متواصلاً؛ فقط محاولة لمساعدة الجسد على الاستمرار. ولا تكون الأحلام -بالتالي- أحلاماً بالمعنى المفهوم، بل تتحول إلى هلاوس هي خليط من الواقع ومن العقل الباطن. أرى فيما يرى "نصف النائم" مكاناً مظلماً مهجوراً لا ينيره سوى عامود نور يبعث ضوءً خافتاً أصفر اللون.. يظهر محمد في الكادر مبتسماً، ثم تمتد يد سوداء بمسدس لتطلق عليه طلقة واحدة. يقع. ينطفئ النور. يطبق الظلام على المشهد. صوت خطوات تجري مبتعدة. أفتح عينيَ بغتة، وللحظة لا أميز أين أنا في الزمان أو المكان. أحملق للحظة في ظلام الغرفة منادية "محمد؟".. أظل في وضعي وأنا غير مدركة تماماً لأين أنا، حتى أبدأ في تمييز الأصوات القادمة من الصالة، والضوء المتسرب من تحت عقب الباب. يصعقني الإدراك. تخرج مني "يا محمد؟!" مشروخة باكية، مصحوبة بالدمعتين التين أغلقت عينيّ تفادياً لهما. أقرب هاتفي المحمول من وجهي لأنظر إلى الوقت، فأدرك أن نومي لم يتعد العشرين دقيقة. أغطي وجهي بيدي وأنا أفكر في أن ذلك لم يكن حلماً؛ إنه ما حدث بالفعل. ا
ا
أتقلب لأواجه الحائط في محاولة للرجوع للنوم، ولا ألبث بعد دقائق أن أنزلق إلى عالم "نصف النوم" مرة أخرى. يكون المشهد أهدأ تلك المرة.. صباح شتوي مشمس، وثلاثة أطفال في بلكونة الجدة. ثلاث ضحكات صغيرة أميز فيهم نفسي وعمرو ومحمد. الطفلة الصغيرة مفتونة بالنور المتسلل من بين شقوق الشيش، والطفلان الآخران مفتونان بتلك الكائنة الصغيرة.. استيقظ في تلك المرة بنعومة على أصوات ضحكات طفولية تتباعد. أنظر إلى المحمول فأرى أنني لم أتعد الخمس عشرة دقيقة تلك المرة، فأكون شاكرة لتلك الدقائق التي تفضل بها عليّ النوم. أقوم من السرير وأنا شبه متأكدة من أن لذلك الحلم الثاني أصل. أوقد نور الغرفة وأبدأ في ارتداء الإيشارب أمام المرآة، وبينما أفعل ذلك، أفكر في إنه كم من الغريب أن أفكر في ابن عمتي باسم "محمد"، فطالما ناداه الجميع، ومنهم أنا، "بحمادة". أفكر في أن الموت عندما يقتحم المشهد، يفرض هيبته و"سواده" على الجميع، فلا يصح أن نشير إلى الغائب سوى باسم جاد يليق بجلال الموت. في لحظة تحولت من حمادة لمحمد.. يا محمد. ا

أخرج إلى الصالة وأجلس مع الأقارب الموجودين قليلاً، ثم نستأذن أنا وأبي وأمي. أظل أفكر طوال الطريق في أن ذلك الحلم الثاني حتماً يذكرني بشيء ما. نصل إلى المنزل فأتجه رأساً نحو دولاب الصور. أجلس على الأرض وأبدأ في تصفح الألبوم الذي يحتوي على صوري وأنا طفلة. أجدها. ثلاثة أطفال يضحكون في ضوء شمس صباح شتوي بعيد. أتأمل في الصورة بعض الوقت. أربت بأصبعي على رأس الطفل الذي يظهر في يمين الصورة قبل أن أغلق الألبوم. أعيده إلى مكانه هامسة: "تصبح على خير.. يا حمادة". ا