أرى نفسي في الحلم وكأنني نائمة على سريري، ثم أفتح عيني.. في الحلم أيضًا – فقط لأرى ظلامًا وكأنهما مغلقتان بإحكام، وكأنني أراقب نفسي من خارج جسدي في الحلم، ولكنني في الوقت ذاته بداخل جسدي أيضًا، أفتح عيني عن آخرهما حتى تكادا تخرجان من محجرهما، بدون أدنى فائدة. أبدأ في الهلع والصراخ، وأنزل من على سريري لأقع، ثم أقوم، ثم أتخبط بصناديق لا أراها ولا أعلم من أين أتت، والظلام لا يزال محيطًا. لا أفهم، لا أفهم، لا أفهم. أدور حول نفسي في مكاني محاولة العثور على مخرج، ولكن الظلام من داخل العينين وليس من خارجهما، فأين يمكن للمخرج من ذلك أن يكون؟!
للحظة أتوقف عن الصراخ والدوران في مكاني، فقط لأشعر بحضور طاغٍ يتملكني، حضور لا يمكنني وصفه لك سوى بأنه حضور "أبيض كالحليب"، حقًا لا أجد أي وصف آخر له. أشعر بالسكينة والهدوء يغزوان كياني فاستسلم لهما. يهدأ قلبي شيئًا فشيء ويحل السلام..
شيئًا فشيء أيضًا تنجلي الظلمة، ويحل مكانها بياض.. بياض.. لا تسئ فهمي؛ أنا لم استعد نظري في الحلم، ولم أعد لرؤية الأشياء مرة أخرى؛ فقط حل ذلك الأبيض المليء بالسلام محل الظلمة الموحشة. أتحسس المكان من حولي فأجد أحد تلك الصناديق التي تعثرت بها في بادئ الأمر.. أجلس عليه وأنا أتأمل في الأبيض الصاف، وأستكين تمامًا.
ما يحدث دائمًا هو أنني أستيقظ بعدها – في الحقيقة – فأفتح عيني فجأة على اتساعهما ثم أتلمس كل ما في الغرفة بيدي لأتأكد أنني أراه رؤى العين، وأنه ليس وهمي عن الغرفة، أو لعبة يمارسها علي عقلي ليحميني من فكرة فقداني لبصري.. ما يدهشني حقًا أنني في الحلم أملك أجمل عينين يمكن لك أن تراهما.. شكرًا شكرًا، أنا أعلم أن عيوني في الواقع جميلة، ولكن في الحلم هما شيء آخر، وكأنهما عينا جنية من الأحلام.. غريب، هه؟ أجمل عيون في العالم لا ترى شيئًا! صدقني يا صديقي، أنا لا أعلم إن كنت قد جننت بالفعل أم أنني لازلت أفقد البقية المتبقية من عقلي.. أصبح لزامًا علي أن ألمس كل شيء لأتأكد من وجوده. أنت مثلاً هنا: هاتان يداك، وهذا شعرك، وإذا قرصتك ستقول آي! آسفة، آسفة، أنت تتفهمني بكل تأكيد، ولذلك حكيت لك ما حكيته، أليس كذلك؟
أليس كذلك؟
...
...
...
أنت مازلت هنا.. أليس كذلك؟