Tuesday, January 31, 2006

رنا عصام

يظهر إسمها جليا في ذاكرتي و لا أعلم لماذا

لم تكن يوما من صديقاتي المقربات .. و أنا حقا لم أراها منذ ما يقرب على السبع سنوات.. فلماذا تذكرتها الآن؟
***

كانت دائما من الجالسات في الصفوف الأولى.. ربما لضعف نظرها و الذي كانت تقاومه بنظارة حمراء أو موف.. حقا لا أذكر.. أو ربما ليُتمَها

كانت بيضاء مشوبة بالحمرة.. مع شعر غالبا مهوش و صوت مبحوح.. و رباط للنظارة التي لا أذكر لونها

أتذكر والدتها جيدا.. كانت سيدة رفيعة.. محجبة شاحبة لم أرها يوما في لون آخر غير الأسود.. مع نظارة كبيرة.. أكبر من نظارة رنا..تبدو طيبة جدا و تشبه رنا كثيرا

كانت دائما ما تأتي في الفسحة لتقف عند القضبان المحاذية للباصات و تتنتظر مرور أي من زملاء رنا في الفصل لتطلب منا النداء عليها.. في إحدى المرات كنا أنا و نورا نلعب الأولى بجانب الموقف فوجدت السيدة تنادي على نورا و تسلم عليها.. ثم طلبت منا أن نبحث عن رنا و نحضرها لها.. فبحثنا عنها حتى وجدناها.. و عندما ذهبنا إليها قبلتها و إحتضنتها من وراء القضبان فإبتعدنا أنا و نورا لنفسح لهما المجال للكلام

كانت نورا تعرف والدتها لأنها كانت دائما ما تأتي لأخذ رنا من درسهما سويا.. كنا في الصف الثالث أو الرابع الإبتدائي.. و كان مشهد والدة رنا و هي تقبلها من بين القضبان يتكرر دائما.. لم أفهم ما الذي يستدعي أن تأتي دائما في الفسحة لتراها

"انتي عارفة مامة رنا بتلبس أسود دايما ليه؟"
"ليه؟"
"أصل بابا رنا ميت"

همست لي نورا بتلك الكلمات و كأنها تخشى أن يصيبنا ما أصاب رنا.. لا أذكر ما قلته و قتها.. ربما لم أصدق.. لم أكن
قد إستوعبت مفهوم اليتم بعد.. ربما حتى رجعنا للعبة الأولى
***

عندما كنا في الصف الثالث الإبتدائي أخذتني مدرسة العربي "ميس نيفين" و التي كانت تحبني كثيرا و دائما ما تجعلني أقف و أقرأ للفصل.. قالت لي
"إنتِ شاطرة في ال
Science?"

فأهز رأسي بنعم بغرض إثارة إعجابها

"طب جبتي كام في إمتحان الشهر ده؟"

"جبت فول مارك يا ميس"
مع إبتسامة عريضة

"طيب.. بصي أنا عايزاكي تقعدي مع رنا في حصة الريادة الجاية و تشرحيلها الدرس الجديد عشان هي مش فاهماه خالص.. ماشي؟"

"حاضر يا ميس"

لا زلت أذكر الدرس الذي شرحته لرنا يومها.. أو على الأقل حاولت كما ينبغي لمدرسة في التاسعة من عمرها.. كان عن الأقمار الصناعية و أطباق الإستقبال..

***

أتذكر عندما كنا في حصة الساينس أيضا في الصف الرابع الإبتدائي.. كان هناك ذلك الدرس حول المبيدات و كيف أنها تسبب السرطان
*لا أفهم كيف يدرسون تلك الأشياء للأطفال.. لابد أن تهتم تلك المادة في تلك السن بالعصافير و الورد.. أو هذا رأيي على الأقل*
ثم تفرع الحديث لقول ميس أماني بأن "مرض السرطان مبيتعالجش"..فرفعت رنا يدها
"ميس هو السرطان بيموت؟"
"آه "
لم تكن ميس أماني تعرف أسمها على ما أظن
إمتقع وجه رنا و جلست أو تهاوت على المقعد

سريعا ما رن الجرس معلنا أن الحصة قد إنتهت.. كان عندنا أستاذ سيد مدرس اللغة العربية في الحصة التالية

وجدت رنا تنسحب في هدوء و شحوب نحو نهاية الفصل و تجلس على أحد المقاعد الخالية.. تضع وجهها بين كفيها و تجهش في البكاء
لم أقترب لأسأل ما بها.. تجمهرت حولها مجموعة من الزميلات
"مالك يا رنا"
"بتعيطي ليه يا رنا"

و أنا أراقب من مكاني

و عندما دخل أستاذ سيد كانت يمنى صديقتي قد أخبرتني باكية بأن "رنا بتعيط عشان مامتها عندها سرطان".. حتى اليوم لا أصدق رد فعلي
أصابتني كريزة ضحك مريعة.. إلى حد أن دمعت عيناي.. و كلما إقتربت من السكون تذكرت إن رنا باباها ميت و إن مامتها عندها سرطان.. فلا أستطيع منع موجة الضحك حتى آلمتني بطني و دمعت عيناي مجددا

*هل كان ذلك فوق قدرتي على الإستيعاب أم أنني قد إستوعبته تماما؟*

***

تركت رنا مدرستنا بدءا من الصف الثالث الإعدادي.. لم يعرف أحد عنها شيئا بعد ذلك حتى هاتفتني نادين ذلك اليوم عندما كنا في الصف الثالث الثانوي

"عارفة يا نوران أنا قابلت مين بالصدفة النهارده؟"
"مين؟"
"مش عارفة هتفتكريها ولا لأ.. فاكرة رنا؟"
"رنا عصام؟"
"آه.. قابلتها في السنتر و أنا خارجة من الدرس"
"بجد؟ و إيه أخبارها؟"
"دي يا عيني قالتلي إن مامتها ماتت و إنها عايشة مع عمها دلوقتي"
"...."

***
..مر على حادث الصف الرابع الإبتدائي الآن عشرة أعوام.. و لكني أذكره جيدا كأنه كان أمس

.أنا آسفة يا رنا

Friday, January 13, 2006

..مساحات من الدفء



..غريب حقا هذا الزخم الذي تشعرني به عند لقائك
تتحدث كثيرا كثيرا.. لا تدع لي مجالا للتحدث؛ و على عكس عادتي مع الغرباء لا أنفر منك لذلك..ا
لا تتحدث سوى عن عملك كضابط؛ و عن أيامك في الكلية.. ربما لا أهتم حقا.. و لكن صدق أو لا تصدق: فمجرد رؤيتك موجها كلامك لي دونا عن كل الموجودين تسعدني حقا.. فأظل مبتسمة و أسأل عن أدق التفاصيل التي حقا لا تعنيني في شيء.. تبدأ في سرد ما فعله معك الضابط الذي إختبرك في مادة "الأنتِنا".. و كيف كان سيجعلك تعيد السنة الأخيرة بالكلية.. تبدأ في شرح كيفية تكون الصور على التليفزيون و مقدار الميكروثانية.. مؤمنا على كلامك كل حين بكلمة "فاهمة؟" فأجيبك ب"آه.. آه.. كمِل".. تحدثني عن عملك في ذلك الموقع البعيد البعيد.. على الحدود.. عن العسكري الذي يحمل إسم نابليون و الآخر "اللي كفه قد الطرابيزة".. تحاول أن توصل لي معلومة أن كونك المهندس الوحيد في ذلك الموقع يلقي على عاتقك مسئولية رهيبة؛ و أنه إذا حدث أي شيء من أي شخص فإنك أنت "اللي هتروح في داهية".. و أنا أريد أن أصدقك.. فأصدقك.. يخترق كلامك فجأة سؤال عن إمتحاناتي فلا أجد ما أجيبك به سوى "بعد العيد".. تواصل حديثك مرة أخرى عن "الطيارة اللي عاملة زي الميكروباص" التي تقلك إلى موقع العمل.. ثم تخبرنا عن الفرقة التي تريد أخذها و مدتها تسعة أشهر.. أعلق بكلام نسيته فتضحك.. دائما ما شعرت بأن مهمتي هي جعلك تبتسم؛ و يا سلام لو تضحك.. فأختلس النظر إلى وجهك بعد كل كلمة مني.. علك تفعل أيهما..ا
رغم كل ما تحكيه عن عملك و كليتك.. فمازلت أرى فيك الطفل الذي تربيت معه.. لم تتغير رغم كل شيء ..ا
أقول لك شيئا؟ أنا سعيدة لأنك موجود في حياتي.. سعيدة لأنك مازلت تحتفظ على بطنك بآثار عضتي عندما كنت في الثانية و أنت في الخامسة.. *و حقا أتعجب كيف لطفل ألا يجيب على من فعلت فيه ذلك بالمثل*.. سعيدة لتذكر أيام المصايف التي كنت تأتي فيها معنا.. سعيدة لأن آخر مرة عندما كنت لدينا في رمضان.. إخترتني أنا لأكون في فريقك في لعب الكوتشينة رغم عدم معرفتي بقواعد اللعبة.. سعيدة لأنك مازلت تحتفظ بصورة لنا معا كطفلين عندما كنا في بيت العيلة في ألبومك الخاص.. و انا أعلم أنك سعيد أيضا لوجودي في حياتك.. ربما لا تجيد التعبير عن ذلك..*مثل كل عائلتنا*؛ لكنني أعلم أنك تحمل تقديرا خاصا للوحيدة التي تسمع كل كلامك دون أن تمل..ا
أشكرك على مساحات الدفء و الطفولة التي حصلنا عليها سويا.. و أعدك أن أحتفظ بها دائما..ا