Tuesday, January 27, 2009

بجد.. مش هزار-

ا ..سوف تخرج من الكتاب لتتجسد أمامي؛ تحضر لي كوباً من الماء وتربت على ظهري، تخرج لي من جيبك منديلاً ورقياً تجفف به دموعي، وأنظر لك فتشير للأمام مبتسماً ويدك الأخرى ماتزال على كتفي قائلاً: "بُصي العصفورة!" -بجد مش هزار. ا
***
تمشي معي قليلاً، أحكي لك -بأسى عميق- عن كوابيس الليلة الماضية؛ تلوح للأشرار بيدك فيجرون مبتعدين عن أحلامي، تقبلني في باطن كفي وتخبرني أن كل شيء -حقاً كل شيء- سيكون على ما يرام -بجد مش هزار. ا
***
أمشي في الميدان بين الوجوه الغائمة، يوقفني سيل السيارات المسرعة لدقائق في مكاني، فأغمض عينيّ للحظات وأمد ذراعيّ في وضع التحليق موجهة ابتسامتي صوب قرص الشمس.. وأظل أحبك -بجد مش هزار. ا

Tuesday, January 13, 2009

الآن فقط أرى كل شيء بوضوح. كانت سعادة الأيام القليلة الماضية تحضيراً لي لما ينتظرني، والثمن: مدفوع مؤخراً. ا
ا
سيكون التكفير عن السعادة صعباً هذه المرة. يا ميت خسارة. ا

Friday, January 09, 2009

يوميات الكوفية

توطئة: ا
ا ..ويقولون يا سيدي بإن الحياكة مثلها مثل الطهو: فعل حب. فحينما تريد أن تحيك شيئاً لأحد، لابد وأن تتذكره في كل غرزة، بحيث يختبىء حبك له بين الخيوط فيمنحه دفئاً مضاعفاً. ا
***
اليوم الأول: ا
لونك المفضل هو الأزرق.. لذا آتي بشَلَتي صوف أحمر لأبدأ الحياكة. ا
أضع الإبرتين والصوف أمامي وأنظر لهم قليلاً.. أعتدل في وقفتي قائلة بصوت عالٍ: "على فكرة بقى.. الكوفية دي مش ليك!" .. أحرص على أن يكون صوتي حازماً وواضحاً حتى يتمكن من عبور ال3672 كيلومتراً التي تفصلنا (أيوة حسبتهم!). ا
ا
اليوم الثاني: ا
أبدأ في الحياكة. الإبرتان جديدتان لم تتعود عليهما يداي بعد. أنحيك عن ذهني تماماً. أبدأ في لف الخيط حول الإبرة لأبدأ أول غرزة، الثانية، الثالثة. أزهو بنفسي لأنني وصلت للغرزة الثالثة بدون التفكير فيك تماماً. أتوقف فجأة عاقدة حاجبيّ لأتسائل: "هل إذا فكرت في أنني لا أفكر فيك، يعتبر ذلك تفكيراً فيك؟!" لا أتوصل لشيء سوى "أُف" مغتاظة واستكمل الصف بعصبية.. خمسون غرزة كما نصحتني صديقتي حتى لا تكون عريضة جداً أو "كِنزة" جداً.. أبدأ في الصف الثاني ولم تزل الإبرتان غير طوع يدي.. أفكر في أن السبب لابد وأن يكون البرد.. أخرج من غرفتي لأحضر المدفأة الكهربائية. أضعها في المقبس ولكنها لا تعمل.. أخرج السلك، أدخله، أحركه، أضغط على الأزرار بدون فائدة.. أقف قبالتها صامتة تنتابني رغبة عميقة في "تدشيشها مليون حتة"، ولكني أقاوم تلك النزعة التدميرية وأكتفي بإلقائها خارج الغرفة حتى لا تستمر في إغاظتي ببرودها المعدني. أعود للصوف والإبر مستكملة بعض الصفوف ولكن بدون "مزاج".. أضجر وأضعهم جانباً.ا
ا
اليوم الثالث: ا
أكتشف أن الصفوف التي قمت بحياكتها بالأمس بشعة تماماً. أؤنب نفسي لإنتهاكي القاعدة المقدسة "مافيش مزاج.. يبقى مافيش تريكو". أحل كل ما قمت به بالأمس لأبدأ من جديد. غرزة، إثنين، ثلاث، ورغماً عني أبدأ في التساؤل عمن ستكون تلك الكوفية من نصيبه، فأدرك أنني لا أحيكها لأحد على وجه التحديد. تبدأ الإبرتان في معاندتي من جديد، وكأنه قد نبتت لهما إرادة خاصة؛ فتصبح "المقلوبة" "معدولة" و"المعدولة" "مقلوبة"، وفي المقابل أعاندهما واستمر في الحياكة. تشتد الحرب بيني وبينهما وتكون الضحية الوحيدة هي قطعة التريكو المسكينة التي تأبى عليها الأقدار أن تتحول لكوفية. تُرفع أول راية بيضاء من طرفي عندما أدرك عبثية الموقف. أضع كل شيء جانباً وأنا على يقين من أنني غداً سأحل كل ما قمت به اليوم. ا
ا
اليوم الرابع: ا
كما توقعت، أبدأ بحل ما قمت به بالأمس. تبدو الخيوط المستعملة شبه مهترئة نتيجة لمرتين من الحياكة والحل. أبدأ بهدوء مرة أخرى، وللحظة تخطر لي فكرة أنه لابد وأن الإبر تفكر فيك! "أيوة! أيوة! هي لازم الإبر بتفكر فيك!" فلأنني -بالطبع- قد نحيتك عن ذهني تماماً منذ البداية، لابد وأن ذلك التناقض في تيارات التفكير هو المتسبب في ذلك التنافر بيني وبين الإبر. أظل على موقفي واستمر في الحياكة، يبدو وكأن شلتي الصوف قد انضمتا للمؤامرة؛ فتتعقد مني الخيوط وتتشابك بحيث يستحيل حلها تلك المرة. أجز على أسناني وأقذف بهم على الأرض، أخرج من الغرفة وأنا حانقة على التريكو والإبر والصوف وعليك. أتفرج على التليفزيون قليلاً حتى ينتصف الليل وينام كل من بالمنزل. أنسحب إلى تحت بطانيتي الثقيلة، ويتحول حنقي تدريجياً إلى دموع مختنقة، فكم هو عبثي ألا أتمكن من حياكة كوفية بدون وجودك في الخلفية، أحدث نفسي: "دي كوفية.. هي حتة كوفية!". يتسلل النوم قليلاً قليلاً إليّ، فأغفو.. ا
ا
اليوم الخامس: ا
يفتر فمي عن ابتسامة صغيرة قبل حتى أن أفتح عينيّ؛ في واقع الأمر أنا لا أريد أن أفتح عينيّ، فقد حلمت بك. جئتني مبتسماً كالعادة، أخبرتني أن لونك المفضل مايزال هو الأزرق، وأن المسافات -حقاً- لا تعني أي شيء. كان حلماً قصيراً، ولكنه كان كافياً. أقفز بخفة من فوق سريري لأفتح دولابي وأخرج شلتي صوف أزرق.. أقربهما من فمي لأهمس لهما باسمك، ثم أنحني لألتقط الإبرتين من على الأرض، استخلص منهما عقدة الخيوط الحمراء وأضعها جانباً. أبدأ في لف الخيط الأزرق حول الإبرة، وأبدأ في الحياكة. تنساب الصفوف الزرقاء بين يديّ بنعومة وأنا أعد: واحد.. إتنين.. تلاتة.. أربعة.. خمسة... ا

Friday, January 02, 2009

واحد يناير 2009

ا.. ولأنني أؤمن إيماناً عميقاً لا يداخله شك بالعلامات، والدال والمدلول عليه؛ كان لابد من ذكر ما جرى: ا
ا
أهرع صباحاً من باب الكلية إلى الداخل، فأنا متأخرة حوالي نصف الساعة عن موعد الندوة.. المصعد موجود بالصدفة ولكنّي كالعادة أفضل السلم.. أصعد سريعاً سريعاً لأفاجأ بأجمل طفل في الوجود يبتسم لي.. أقترب قليلاً فأرى أنها "بنّوتة" بشعر ذهبي قصير، لا تزيد عن العامين؛ تبدو خارج سياق المكان الخالي حتى من الطلبة في ذلك الوقت من العام.. أُقبلها و ألعب في خدودها فتبتسم لي ابتسامة مضيئة وتجري مختفية إلى داخل أحد المكاتب.. أفكر فيما أخبرتني به أمي قبلاً: "البنت في الحلم دنيا حلوة".. ابتسم وأنا استكمل صعودي متمتمةً لنفسي: "مافيش دنيا أحلى من كده.." ا
ا
تنتهي الندوة ظهراً فأقول لفراشتيَّ الأثيرتين: "ياللا نعمل حاجة"، فتتقافز أحداهما مشجعة للفكرة. نحلق ثلاثتنا حتى نحط على طاولة جانبية في ذلك المطعم، وتشع من حولنا هالة من الضحك الصافي والبهجة الخالصة. نقرر المشي قليلاً في شوارع مصر الجديدة، وتلفت نظري لأول مرة حقيقة كثرة محلات الورد في ذلك الشارع: "واحد.. إتنين.. تلات محلات ورد في عشر دقايق!" وفي وسط تلك الأفكار "الوردية" يهاتفني مازن ليدعوني إلى كتب كتابه بعد أيام، فأدعو له من قلبي، وألتفت لهما لأخبرهما بأنه "أكيد فال خير".. ا
ا
تخبرنا منى عن المكان السحري الذي وجدته في الزمالك وحتمية ذهابنا هناك معاً، فتضيف هاجر بأننا لابد وأن نعقد اجتماعاً لجنياتنا الصغيرات، فأرد عليهما بحكيي عن الحصان المجنح من سحاب والذي رأيته يركض وراء قرص الشمس في السماء بالأمس. يبدو كلامنا خارجاً عن نطاق الزمان والمكان والمعقول بصفة عامة، فأقول لهما: "أنا حاسة إني باحلم".. تكتمل الصورة بثلاث زجاجات من بالونات الصابون: نمشي في صف واحد، ونعد حتى ثلاثة فينطلق سيل من "البلالين" الشفافة/الملونة في فضاء روكسي ممتزجاً بضحكاتنا وبأن "الناس هيقولوا علينا مجانين!" ا
لا يبخل اليوم علينا بالمزيد من المفاجآت، "فنتكعبل" في حوض ريحان يبدو وكأنه قد نبت لنا خصيصاً، لا نكاد نصدق أنفسنا وتقطف منى لكل منا عوداً. نقرر أن اللحظة قد أثبتت جدارتها بأن تُخلد، فنلتقط بعض الصور في بقعة الريحان السحرية. ا
ا
يحين الوقت، فنعبر نهر الطريق ونتفرق على وعد باللقاء.. أشعر أنني خفيفة.. خفيفة، أعود إلى المنزل على جناح فراشة أكاد أقسم أنها كانت وردية، محتضنة في يدي عود ريحان وزجاجة بالونات صابون. أدخل مفتاحي في باب الشقة - وبدون أدنى سبب- أتذكر علي الحجار ورنة صوته وهو يقول "الحلم متفسر.. وبكرة جاي أخضر".. ا