Friday, February 27, 2009

في بيت العرايس

في بيت العرايس.. الحيطان بمبي، والفرش بمبي، والقلوب بمبي.. ا
ا
في بيت العرايس.. الشمس بتنشن على شباكهم، وتتسحب من بين شقوق الشيش تزغزغهم وتصحيهم بحنيَّة، ويستغربوا.. يستغربوا هما الاتنين لمّا حد يقولهم إن الدنيا كانت مغيمة على شباكه النهارده.. ا
ا
في بيت العرايس.. كل حاجة بتّضَحّك؛ الكيكة المحروقة، والهدوم اللي بتضيق حبة حبة، والبطانية المنشورة على الحبل ومش راضية تنشف.. ا
ا
في بيت العرايس.. القمر بيطلع يونسهم بالليل، يرمي عليهم شوية فضة وهو بيقولهم "تصبحوا على خير" قبل ما يقفلوا الشيش، بعدين يديهم ضهره المنوَّر عشان يداريهم عن عيون بقية الدنيا.. ا
ا
في بيت العرايس.. فيه فراشات خفية، وورد تحسه بقلبك، وفرحة معششة..ا

Thursday, February 19, 2009

عنها

أصلي المغرب ثم أشرع في إرتداء ملابسي، أفتح الدولاب وتبحث عيني عن اللون الأسود، فلا أجد. أبحث بجدية أكثر، لكن لا يسفر هذا البحث سوى عن جاكيت رمادي؛ يكون هو أقرب ما أجد للأسود. أخشى ألا يكون مناسباً فأتجه لدولاب أمي، أجد "بلوفر" أسود ولكنني أدرك أنه سيكون واسعاً جداً علي، فأرضى بالجاكيت الرمادي. أرتدي ملابسي في صمت ثم أقف أمام المرآة لأرتدي الإيشارب (الرمادي أيضاً). أحملق في وجهي الخالي من المساحيق بالمرآة، وأتذكر عندما كنا صغاراً -حتى فترة قريبة- كان عندما يتحتم علينا الذهاب مع أمي إلى عزاء، ترفض رفضاً باتاً إرتداءنا أنا وأختي للأسود. "إنتو لسه صغيرين على الأسود"، كانت تخبرنا، فنكتفي بالبني أو البيج أو أياً من غوامق الألوان. ابتسم لنفسي في المرآة محادثة إياها: "إنتي كبرتي يا نوران. ولازم يبقى عندك حاجة سودة في دولابك". أنهي ارتداء ملابسي ثم أتساءل إن كان ارتداء عقدي الفضة مناسباً أم لا: أوقظ أمي لأسألها: "هو كده
too much?!"
فترد بلا. أذهب إلى غرفتي ثم أعود لأسألها: "طب هو فيها حاجة لو حطيت بارفانة؟"، فتخبرني أنني "مش من أهل المتوفي -لا سمح الله- فمفيهاش حاجة يعني". ترعبني فكرة جرح أهل المتوفي بأي شكل من الأشكال، فأحرص كل الحرص أن تتأكد أمي من شكلي العام قبل أن أهم بالخروج. ا
ا
أخطو إلى الشارع أمام العمارة، ولسبب ما أنظر إلى السماء، فأفاجأ بسرب من العصافير البيضاء طائراً من يساري إلى يميني، وكأنه ظهر في نفس اللحظة التي لامست فيها قدمي أرض الشارع. أحملق للحظة في السماء، ثم للحظة في الأسفلت، ثم السماء مرة أخرى حتى أتأكد أنها ليست هلاوس، ولكن العصافير هناك. تطير بدون صوت، ولكنها بالتأكيد موجودة. أبتسم في تعجب قائلة لنفسي "عصافير إيه دي اللي بتطير بالليل؟!" أصل إلى مكان العزاء، وتبحث عيني تلقائياً عن دكتور سهير ومنى، أجدهما، فأتجه إلى دكتور سهير وأحتضنها طويلاً. أسلم على الموجودين ثم أجلس في المكان الخالي إلى جوار منى. أثبت عيني على الوجه الملائكي الذي يبكي تارة ويتمتم تارة، وأتمنى لو كان المكان بجوارها خالياً حتى أجلس بجانبها و"أطبطب" عليها. تلتقط أذناي من السماعات "وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون" فتتسارع الدموع إلى عيني دون سبب وأهمهم "بالحمد لله". ا
ا
أتشاغل بالنظر إلى الأطفال الموجودين مع أمهاتهم، فأجد أنهن ثلاث بنات، يرتدين بالصدفة جميعاً اللون الوردي، فأفكر في أنهن يبدون مثل الفراشات -تماماً مثل الفراشات. أتذكر أن فرح سلمى لم يمض عليه أسبوع، وأن ترقية دكتور سهير -التي تأخرت أعواماً- لم تكمل ثلاثة أيام، فأتعجب في صمت. ا
ا
تهم منى بالقيام فأدعوها لأن نستمع لربع آخر نقوم بعده. يبدأ المقرئ بسورة "مريم"، فأنظر لمنى ونبتسم سوياً، فقد كنا نتحدث عن تلك السورة بالأمس فقط. كنت أسري عن نفسي خلال محاضرة الأمس البشعة بكتابة الآيات الخاصة بقصة "ستنا مريم" -كما أحب أن أسميها- في دفتري. أتلو الآيات في سري مصاحبة لصوت المقرئ. أفكر في هذه الفتاة الصغيرة -تقول الروايات بأن عمرها لم يتعد الثلاث عشرة سنة عند حملها بالمسيح- في خوفها عندما يظهر لها سيدنا جبريل، فتحتمي بربها: "إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً". أفكر في قلقها ورعبها مما سيظنه قومها. أفكر في أنها كانت وحدها؛ طفلة وحيدة تتحمل كل ذلك. هل وسط كل الآلام النفسية والجسدية التي كانت تكابدها أثناء الولادة، كانت تعلم أنها تلد الحب والرحمة والآية؟ يوجعني قلبي دائماً عندما تأتي آية "فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً"، فأتمنى لو كنت معها لأمسك بيدها الصغيرة وأطمئنها بأن كل شيء سيكون على ما يرام. ا
ا
ينتهي الربع فننهض أنا ومنى. أحتضن دكتور سهير مرتين موصية إياها: ا
"Please be fine ya Doctor"
فترد بابتسامة منهكة: "ربنا يخليكوا ليا". أخرج أنا ومنى من القاعة فتلفحنا نسمة باردة، أحتمي منها بانكماشي على كتف منى. أخبرها عن "العصافير المجنونة اللي مش بتظهر غير للمجانين اللي زيّنا" فنضحك سوياً. نتمشى قليلاً قبل أن نفترق كل إلى وجهتها. أركب التاكسي وأنظر عبر الزجاج المغبش إلى المصابيح المضيئة في وسط ظلام الشارع، تبدو وحيدة و"بردانة"، ويبدو ضوئها خافتاً، ولكنها تلقيه بالرغم من كل شيء. ا

Sunday, February 15, 2009

كلما أوشكت فراشة القلب أن تحلِّق.. سرقك مني اتصال مقطوع أو قطار مغادر. ا

Wednesday, February 11, 2009

ا "كانا في حاجة لمن يصدق ألمهما الخارق لكي يواصلا ما تبقي لهما من حياة، وكان هو من صدق ذلك وإن متأخرا، لم يخرجهما من الجمدة بنوبات التشنج التي تحدثها الصدمات الكهربائية، ولم يستعمل معهما مضادات الذهان الساحقة، فقط صدق ألمهما" ا
محمد المخزنجي - ذلك الوميض
ا

Friday, February 06, 2009

أبيض



أشوف البدر ليلة تمامه على وِش منى وهاجر.. بوسة على خَد كل واحدة فيهم.. أسأل البدر في سري "أنت أبيض ولا فضي؟!"، لكن البدر هناك.. فوق.. فوق في عُلاه، بيبتسم لي ابتسامة هادية كده ومايرُدش عليا.. ا

أفتكر كل الحاجات البيضا اللي بحبها: طرحة أمي بتاعة الصَلا، الشعرات البيضا اللي طالّة من وسط سواد شعرَك، النور الطالع من إيدينا وهي مشبِّكة في بعض، ضحكتي وأنا معاك، شعر جدي اللي كان عامل زي التلج؛ تلج حنيِّن، مش ساقع وجامد زي تلج البلاد البعيدة.. البعيدة اللي واخداك مني.. ا

أكمل تمشية في نور البدر اللي معرفش إن كان أبيض ولا فضي، وأفتكر الحاجات البيضا اللي مبحبهاش: الصفحات الفاضية الفاضية، الكلام المركون في القلب وماينفعش إنه يتقال، حيطان المستشفيات، الطيارات المسافرة، تلج البلاد البعيدة البعيدة اللي واخداك مني.. ا

الأبيض هو الحياة.. الأبيض هو الموت.. الأبيض أول كل الألوان وآخرها.. الأبيض عدو، الأبيض حبيب.. الأبيض حلمي وكابوسي. ا

الأبيض لُغز.. واللي يحلُّه يستاهل كل ما يجرى عليه.. ا

Tuesday, February 03, 2009

بين الخيط الأسود والخيط الأبيض

دخلت لتستحم بماء دافئ ونثرت روح الياسمين على شعرها وجسدها، ثم تركت الماء يسيل ويغمرها. خرجت من الحمام وارتدت منامتها القطنية البيضاء. مشطت شعرها الأسود الطويل، ثم أغراها هدوء ما قبل الفجر فوقفت في شرفة غرفتها، وعندها تذكرت. ا
ضمت يديها الإثنتين على فمها وبدأت في الهمس. ضحكت ضحكتين في وسط "الوشوشة" المنسابة، ثم عندما فرغت رفعت يديها المضمومتين على شكل دائرة صغيرة إلى عينيها، ثم إلى فمها مرة أخرى حيث زرعت فيهما قبلة، ثم فتحت يديها إلى السماء وكأنها تطلق حماماً غير مرئياً إلى حريته: "يا رب قُل له.." ا