Wednesday, December 31, 2008

On Fading Away..

كان أن جعلتها أعوامها القليلة تتقبل فكرة الفقد إلى حد ما، على الرغم من عدم بساطتها بالنسبة لها. لم يجعل ذلك فكرة الفقد أسهل أو أقل مرارة، ولكنها أصبحت شيئاً لابد أن تتقبله؛ ببساطة وبشكل رئيسي: لأنه لا يوجد خيار آخر. ا
ا
ما لم يمكنها أبداً أن تتقبله أو تستوعبه كان تلك المرحلة التي تسبق الفقد التام.. مرحلة التلاشي التدريجي لوجود ما في حياتك، بكل تفاصيله الصغيرة ومعالمه.. يتلاشى تدريجياً حتى تصبح غير قادر على تمييزه، وحتى تبدأ في التساؤل الذاهل الحزين إن كان قد وُجِد يوماً من الأساس.. ا
ا
كان الفقد يجعلها تشعر بالخواء -فعلياً لا مجازياً- أو كما كانت تصفه: "خُرم في القلب"، ولكن لمرحلة التلاشي التدريجي إحساس مختلف، فمع كل تفصيلة تسقط، كان جزءً صغيراً منها يموت: فكأن جزء صغير منها يعاني سكرات الموت لأيام وأيام حتى يأتي الخلاص الأخير: الفقد التام. كلما أظلم جزء من المشهد، أظلم جزء في روحها. ا
ا
كان المؤسف في الأمر بالنسبة لها هو فكرة العجز التام.. فكل شيء يختفي تدريجياً وببطء شديد قد لايلحظه غيرك، وأنت جالس هناك تراه يذهب ولا تستطيع فعل شيء، وكلما حاولت الإمساك بتلابيب الذكريات؛ فكأنك تطارد طيفاً لا يزيده ذلك إلا اختفاءً. ا
ا
تَتَكَوَّر على نفسها تحت الأغطية في نهاية اليوم، وفي ظلام غرفتها تفكر في ذلك الوجع الصاعد من الأعماق، وتفكر أيضاً في أن غداً سيكون يوماً آخر تكون "أنت" فيه أقل، وينطفئ جزء آخر من النور بداخلها. ا
ا
تصبح على خير. ا

Friday, December 26, 2008

فصول عن الغرابة والجنون



كانا يجلسان في ذلك المقهى الهادئ يتحدثان بصورة قد تبدو عادية تماماً لمن يجاورونهم، حينما شردت فجأة لعدة ثوانٍ، ثم نظرت إليه نظرة حادة، قائلة بحسم:ا"حاجة غريبة!".. رد عليها: "هي إيه دي اللي حاجة غريبة؟!"، فردت عليه بنفاد صبر: "غنيلي حاجة غريبة!".. لم يكن "الغريب" في الموضوع هو طلبها المفاجئ، أو وقعه عليه، الغريب حقاً أنه نظر إليها للحظة، ثم -بدون نقاش- انطلق مغنياً بصوت عالٍ: "حاجة غريبة.. حاجة غريبة.. الدنيا لها طعم جديد.. حاجة غريبة....." لم يكن قد أنهى الجملة الأولى من الأغنية عندما كانت قد انفجرت في موجة من الضحك مصحوبة "بدبدبة" بالأقدام على الأرض وبالأيادي على الطاولة.. بينما استكمل هو بقية الأغنية محاولاً كبت ضحكاته في معظم الأجزاء..اا

***ا

وقفا بمواجهة بعضهما البعض، وكان قد قرر أن يخبرها أخيراً: "أعتقد إن أنا وقعت في حبك.." نظرت إليه نظرة ثاقبة رافعة حاجبها الأيسر في تركيز: "همممم..." للحظة مرت بذهنه كل الإجابات المتوقعة، والتي مصدرها بالأساس رصيده الوجداني من الأفلام العربية القديمة: "خلينا أصحاب أحسن".. "بس أنت زي أخويا".. "الحقيقة أنت فاجئتني"، أو حتى "وأنا كمان، مصحوبة باحمرار في الوجه أو ضغطة على اليد. كان أن مرت تلك اللحظة بكل ما حملته من "فلاش باك" ليجدها تخبره "أنت عارف إن تعبير ‘الوقوع في الحب‘ ده بالأساس تعبير أجنبي؟! يعني هو مترجم ترجمة حرفية ، عمرك ما هتلاقي حاجة في الشعر العربي القديم بتقول فلان وقع في حب فلانة.." ثم تركته ومضت. هكذا. فقط.ا

لم يفهم شيئاً.. ظل طوال أسبوع يحاول فهم ما جرى، ولم يتوصل لشيء، حتى وجدها تهاتفه مخبرة إياه أنها قد فكرت في الموضوع، وأنها لا تجد غضاضة في الترجمة الحرفية لذلك التعبير؛ ذلك أنها تعتقد أنها -لسبب أو لآخر- واقعة في حبه أيضاً. اا

***
نومه ثقيل.. ولكن أحدى عشرة مكالمة كانت كفيلة بإيقاظه رغم كل شيء.. ا

ا - "آلو" ا

ا -"إيه ده.. أنت كنت نايم؟!"ا

ا -"مش عارف.. هي الساعة 3 الفجر وكلمتيني حداشر مرة عشان أرد، وصوتي زي مانتي سامعة.. إيه رأيك؟!" ا

كان ما فاجأه شخصياً هو أنه قد قال كل ذلك مبتسماً، (وليس كما توقع لو كان المتصل هو أحد أصدقائه بسيل من "المنقي خيار") .. ا

ا -"ممم.. طيب بقولك، هي ميج رايان في فيلم

You've Got Mail

كان اسمها إيه؟!" ا

ا -"نعم؟!" ا

ا -"يابني بقولك ميج رايان في فيلم

You've Got Mail

كان اسمها إيه.. إيه أنت لسة نايم ولا إيه؟!" ا

ا -"شكلي كده.." مبتسماً مرة أخرى

ا -"طيب.. أصل بص، أنا حلمت بيها.." ا

ا -"بميج رايان؟!" ا

ا - "آه.. جاتلي في الحلم وقعدنا نتكلم مع بعض شوية.. بعدين لقيتها فجأة قامت وبتزعق: ‘أنا مش عارفة اسمي.. أنا مش عارفة اسمي‘.. أنا بقى قمت على الزعيق وتخيل لقيت إن أنا كمان مش فاكرة اسمها في الفيلم كان إيه؟!.. فها بقى.. فاكره ولا لأ؟" اعتصر ذاكرته محاولاً تذكر اسمها حتى أنه قام في الظلام ليجلس على السرير وهو يفرك عينيه: "استني كده.. ممم.. ميج رايان.. ا

You've Got Mail

ممم.. كارولين.. كاثرين.. كاثلين.. أيوة أيوة! هي كاثلين" ا

ا -"صح! صح! برافو عليك! لو كنت قدامي دلوقتي كنت بوستك.. أروح أكمل نومي بقى.. باي باي" ا

عاد بنفس الابتسامة لوضع النوم مرة أخرى متيقناً من جنونها، ولكنه كان أيضاً متيقناً -أكثر من أي شيء على وجه الكرة الأرضية- من حبه لها. اا

***ا

ا -"بص.. أنا خلصتلك الكوفية!" ا

ظلت لأسابيع تخبره بأنها تغزل له كوفية صوف، واليوم أنهت حياكتها وأحضرتها له.. ا

ا -"أخيراً؟ طب فين بقى؟!" ا

ا -"هي معايا.." ثم لحظة صمت.. "بس هي أصلها طلعت مش حلوة قوي يعني.." ا

ا -"طب وريهاني بس".. ا

أخرجت له من حقيبتها قطعة هلامية من تريكو أسود.. كان بالكوفية بعض الثقوب التي تتراوح أحجامها بين ما يمكنك أن تدخل أصبعك فيه وبين ما يمكن ليدك كاملة أن نعبره إلى الطرف الآخر، كما أن الطرفين لم يكونا متساويين، مع بعض الخيوط المنسلة على الجانب. كانت الكوفية تبدو أشبه بعمل كاريكاتوري.. تفحصها قليلاً ثم قال لها بثقة: "دي أحلى كوفية في الوجود" ثم ارتداها معدلاً من وضعها حول رقبته. سارا سوياً مبتسمين، غير عابئين بنظرات الاستغراب والسخرية من ذلك الشاب كامل الأناقة إلا من "كوفية سوداء غير لائقة تماماً".. ا

***
أصبحت الأحاديث العادية مثل الحديث عن العمل والعائلة وما إلى ذلك تصيبه بالملل الشديد، فكان يتطلع لحضورها بفارغ الصبر، فربما حدثته عن قطتها السوداء التي تقرأ أفكارها، أو عن قلمها المفضل الذي تحرص أن تضعه كل ليلة في المقلمة مع أخوته حتى لا يكون وحيداً، أو حتى عن حياكتها لجاكيت جديد له حتى يرتديه مع الكوفية.. أصبح أصدقائه يستغربونه ويقولون له أنه قد أصبح "غريباً" أو "مجنوناً بعض الشيء".. لم يكن رده الدائم سوى ابتسامة صامتة تخبرهم -إن كانوا مستعدين لفهم هكذا شيء- أن قليلاً من الجنون أو غرابة الأطوار ليس بالضرورة شيئاً سيئاً، خاصة لو كان هو طريقك نحو الأهل والسكن. ا

Saturday, December 20, 2008

خوف

تذكُر عندما قرأنا سوياً ذلك الجزء من "فَرَج" لرضوى عاشور؛ حيث كانت البطلة تتحدث عن الطيران وعن ثقلها عند اقترابها من إحدى نوبات إكتئابها؟ تذكُر ماذا قلت لي وقتها؟ أظن أنك تفعل..ا
ا
تلك الأيام أنا مثلها، أصعب جزء في اليوم هو الاستيقاظ صباحاً؛ أتمترس في سريري لأكثر من الساعة محدقة في السقف وفي رف الكتب المقابل لسريري، وأنا خائفة.. خائفة مثلها تماماً.
ا
ا
نعم أنا خائفة، بل و"مرعوبة" إن صح التعبير؛ تشلني فكرة فقدي لك في مكاني، أخاف وتسيطر على فكرة أنني لا أستطيع مواجهة ذلك اليوم. أفكر فيما يتوجب علي فعله أثناء اليوم، فتغمرني موجة من الإحباط وأغطي وجهي بيدي: "لا أعرف إن كنت أستطيع.. لا أعرف إن كنت أستطيع.." أدفن وجهي في الغطاء وأغرق في أفكاري عنك.. تتلبسني "أنا" الأنانية وأجد نفسي أفكر في أنني لا أريد أن تستقيم حياتك بدوني؛ أشعر مثل أم يذهب طفلها للمدرسة لأول مرة، هي تريده أن يندمج مع أصدقائه الصغار دون شك، ولكنها تغار من فكرة أن صغيرها ستكون له حياة أخرى بعيداً عنها..
ا
ا
***
ا
بالأمس كنت أحاول فعل شيء ما لا أذكره، ثم خطرت لي فكرة كتبتها بالإنجليزية:
ا
ا
"Because, as you of course know, I don't REALLY exist.. I'm just that abstract thought living in your heart and mind, and the moment you forget me, I die."
ا
لذا.. ا
كن بخير.. وفقط حاول ألا تنسني..
ا

أشياؤنا التافهة.. أشياؤنا الجميلة

أتهاوى بوجهي على الأرض في موضع السجود، وأسأل الله -بلغة لن يفهمها إلا إياه- ألا يكون ذلك هو كل شيء.. ا
ا
يصم سكون الكون أسماعي ويبدو وكأن الكائنات جميعاً قد اتفقت فيما بينها على ألا تزعجني، حتى حاسبي المحمول أجده وقد توقف عن أزيزه الأثير.. يصم السكون أسماعي بعد عدة أيام من "بحب جديد وقلبي سعيد"، ورنات استقبال المكالمات والرسائل الليلية، والخفقان العنيف-اللطيف الصاعد من القلب إلى الوجه احمراراً.. ا
ا
تشدني الأرض إليها بقسوة بعد سماحها لي بالطيران جزءً يسيراً من الزمن، فلا أقاوم، ولا أحارب.. ا
ا
أقوم بطقسي الأثير في ممارسة الحزن، فاستنشق "كيساً بلاستيكياً" أمسكته طويلاً يومها فسرق جزءً صغيراً من رائحتك.. أتنفسه وأنا أتعجب من بساطة وجمال أشياءنا الصغيرة التي لا نعلم على وجه التحديد إن كنا نحن الذين نحملها أم أنها هي التي تحملنا.. ا
اا
***
ا
أعتقد أن كلا منا كان شخصاً تافهاً بطريقة ما، وكان أن خُلق الجمال والنور بيننا عندما التقينا. ا